برج العذراء أو برج الفتاة, هو أحد أبرز المعالم السياحية لمدينة باكو بشكل عام و المدينة القديمة بشكل خاص, وهو من اشهر أماكن السياحة في اذربيجان. ويقع ضمن المدينة القديمة “Icheri sheher” وبالقرب من بوليفارد باكو حيث لا يفصله عنه سوى بضعة أمتار,
وتعتبر زيارته امر مفروغ منه عند زيارة المدينة القديمة في باكو.

في الحقيقة وقبل الخوض في أي تفاصيل تاريخية عن هذا المعلم السياحي,
يجب أن نبين للقارء الكريم, أن القصة المتداولة عن أن سبب تسمية هذا البرج ببرج الفتاة أو برج العذراء بهذا الاسم, يعود لفتاة او أميرة ألقت بنفسها من أعلى البرج بعد أن منعت من الزواج بمن تحب,
هي قصة غير واقعية و لا تمت للحقيقة بأي صلة,
بل هي من نسج الخيال,
ولكنها مع الأسف لاقت رواجا كبيرا بين السياح العرب,
و خصوصا من خلال بعض مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي, وبالإمكان دحض هذه الرواية بسؤال بسيط و هو: ماذا كان اسم البرج قبل هذه الحادثة؟
الإجابة الحقيقية و البسيطة هي أيضا برج العذراء,
و ذلك بسبب أن هذه التسمية هي في الحقيقة تسمية رمزية للمبنى الأكثر تحصينا وارتفاعا داخل أسوار المدينة,
و هذا يرمز إلى أن المدينة بخير طالما ان هذا المبنى لا يزال قائماَ و لم يتعرض للاحتلال و السقوط بيد الأعداء.

وقد لعب هذا المبنى عدة أدوار هامة في تاريخ المدينة,
فعلاوة على استخدامه كحصن داخل الأسوار, فقد تمت الاستفادة من ارتفاعه الذي يبلغ ثمانية أدوار على ارتفاع يقارب ال30 متر كمنارة للسفن في البحر,
كما استخدام سطحه ايضا لإرسال اشارات نارية أو دخانية لتنبيه الحصون و القلاع المجاورة عند حدوث أي خطر,
و التي بلغ عددها في فترة من الفترات 30 قلعة وحصن,
كما أن الفتحات الموجودة في جدران البرج كانت تستخدم لمراقبة النجوم وتحديد المواسم و الشهور.
ومن الأمور المثيرة للغرابة في هذا البرج هو عدم وجود تاريخ محدد للبناء او اسم للملك الذي بني في عهده, أو حتى ذكر الحقبة الزمنية التي أنشئ فيها,
و من الملفت في الأمر وجود عبارة في أسفل البرج مكتوبة باللغة العربية تحمل اسم داوود بن مسعود,
ولكن من دون ذكر أي تفاصيل حول هذا الشخص,
و الذي يعتقد بعض علماء الآثار أنه كان المهندس المسؤول عن بناء البرج,
فيما يرجح بعض العلماء تاريخ إنشاء البرج إلى فترات زمنية سبقت وصول العرب و المسلمين إلى هذه المنطقة بعدة قرون,
وفي الواقع توجد عدة فرضيات عن السبب الرئيسي لبناء هذا البرج,
فيرى البعض ان البرج بني ليكون قبرا للعائلة التي حكمت هذه المنطقة فيما يرى البعض انه بني ليكون مكانا للعبادة,
إلى أن أي من هذه الفرضيات لم يتم تأكيدها, حيث لم يعثر على أي رموز دينية تشير إلى أن المكان قد استخدم للعبادة, أو بقايا بشرية تثبت ان المكان استخدم كمقبرة,
لتبقى الفرضية الاساسية وهي ان البرج استخدم كحصن هي الفرضية الاقوى خصوصا أنها مدعمة بالدلائل و الوقائع التاريخية.

يضم المبنى المؤلف من 8 أدوار كما ذكرنا سابقا مجموعة من التحف النادرة و المقتنيات الاثرية لحقب زمنية مختلفة,
ويتم الانتقال من طابق إلى اخر بواسطة درج حجري يظهر و كأنه منحوت ضمن جدران البرج,
وتكون جميع الطوابق مكشوفة على بعضها البعض من خلال فتحة موجودة بكل دور حتى الوصول للسقف,
و الذي هو أيضا غير مسقوف بالكامل,حيث توجب في منتصفه فتحة مغطاة بصفيحة معدنية,
وعند الوصول للسطح نستطيع أن نرى اطلالة جميلة على المدينة القديمة و سواحل بحر قزوين من جهة بوليفارد باكو,
كما يوجد بجانب البرج بئر ذات مياه صالحة للشرب ولا تتأثر بارتفاع أو انخفاض مستوى سطح البحر,
كما أن الدراسات الأثرية تشير إلى ارتباط برج العذراء بقصر الحكم “متحف شرفان شاه حاليا” بواسطة أنفاق و ممرات مائية تحت الأرض, ولكنها مغلقة أمام العامة.

يجاور برج العذراء في المدينة القديمة العديد من المطاعم و المقاهي, كما يوجد سوق لبيع التحف و المقتنيات النادرة,
بالإضافة إلى مجموعة من المحلات التي تبيع السجاد الأذربيجاني الشهير سواء القديم أو الجديد,
ولكن يجب الانتباه في حال الرغبة بشراء هذا النوع من البضائع الحصول على فاتورة رسمية, كما أن هذا النوع من الفواتير يحتاج لتوثيق حكومي رسمي –عادة ما يقوم به اصحاب المحلات بأنفسهم- وقد يستغرق مدة تصل ليومين,
ليتمكن المشتري فما بعد من الحصول على وثيقة رسمية, يستطيع من خلالها إخراج هذه المشتريات من المطار بشكل قانوني.
في نهاية المطاف,
نجد أن برج العذراء من معالم السياحة في اذربيجان و معالم المدينة القديمة في باكو و التي تستحق الزيارة, وهنا يجب ان نشير إلى شدة زاوية انحدار الدرج الذي يربط أدوار البرج ببعضها البعض وصولا للسطح,
وبالتالي فإن الصعود إلى داخل البرج قد لا يناسب كبار السن.